في لحظة لا تشبه غيرها، خيّم الصمت، وتوقف الكلام، وذبلت الأنفاس...
فقد رحل محمد، الطبيب البيطري الذي لم يكن مجرد طبيب، بل كان قلبًا نابضًا بالرحمة، وروحًا مفعمة بالأخلاق، ولسانًا لا ينطق إلا بالخير.
لقد عرفناه لا بصفته فقط، بل بشخصه الجميل.
كان محمد رجلًا طيبًا، خلوقًا، هادئًا في حديثه، حسن النبرة، يأسر من يجالسه بلطافته، ويترك في النفس أثرًا لا يُنسى.
علمه كان واسعًا،
لا يبخل به على أحد، يعلّمه للطلبة، وينشره في النقاش، ويسقي به الحقول والمزارع كما تسقى الأرض بماء السماء.
كان يؤمن أن الطب البيطري رسالة قبل أن يكون مهنة، وأن العناية بالحيوان جزء من الرحمة التي يضعها الله في قلوب عباده.
لكنه لم يكن علمًا فقط...
كان صاحب نكتة لطيفة، لا تجرح، بل تداوي.
يُلقي دعابته في الوقت المناسب، ليُطفئ بها تعب يومٍ ثقيل، ويبعث في النفوس روحًا جديدة.
كان إذا ضحك، ضحكت معه الأرواح، وإن ابتسم، تبسمت الحياة.
فكيف لنا أن نصدّق أن هذا الصوت خفت، وأن تلك الضحكة لن تُسمع بعد اليوم؟
كيف تمضي يا محمد، وتتركنا في وجع الصمت؟
كيف تترك غرفتك، أدواتك، ودفاترك التي ما زالت تعبق بحبر العلم، وروحك؟
رحلتَ، لكنك لم تغب...
ذكراك تعيش في قلوبنا،
في كل روح أنقذتها،
في كل طالب علمته،
في كل كلمة طيبة قلتها،
وفي كل بسمة منحتها لنا دون مقابل.
نم هادئًا يا من عشتَ كريمًا...
يا من كنتَ عنوانًا للرحمة والاحتراف والنُبل.
نسأل الله أن يجعل علمك صدقة جارية،
وأن يفتح لك في قبرك نورًا لا ينطفئ،
وأن يُسكنك فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء.
وداعًا محمد...
لن ننساك.