يمرّون على آيات الله وهم عنها معرضون

يمرّون على آيات الله وهم عنها معرضون

في زحمة الحياة، نعيش كأننا مخلدون. نُسابق الزمن، نركض خلف الرزق، نُلاحق المتاع، وتمرّ علينا آيات الله صباحًا ومساءً… دون أن ننتبه. نُشاهد المعجزات تتكرر في الأفق وفي أنفسنا، نسمع القرآن يُتلى، ونقرأ الآيات، لكن القلب في مكان آخر، والعين تنظر دون أن تبصر.

الغفلة ليست فقط أن تنسى الله، بل أن تعيش وكأنك لن تلقاه. تمرّ على نعم لا تُعد، على تحذيرات لا تُحصى، على مشاهد في الكون والقرآن، ثم تُكمل الطريق كأن شيئًا لم يكن.

"وفي أنفسكم أفلا تبصرون" (الذاريات: 21)

"سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت: 53)

كل شيء من حولك يتكلم عن الله: غروب الشمس الذي يذكّرك بنهاية العمر، الشجرة اليابسة التي عادت خضراء لتذكّرك بالبعث، الطفل الذي وُلد لتدرك قدرة الخالق، الميت الذي يُدفن ليذكّرك بمصيرك…
لكن الإنسان، في غفلته، لا يسمع هذه النداءات.

"وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" (يوسف: 105)

حتى القرآن، الذي يُتلى في البيوت، في المساجد، في الهواتف… أصبح صوتًا مألوفًا لا يحرك القلب، ولا يُرعد الجسد.
كم مرة مررنا على آيات الجنة، ولم نشتقّ لها؟
كم مرة سمعنا آيات النار، ولم نرتجف؟
كم مرة قرأنا:

"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" (محمد: 24)

ومع ذلك، بقينا نقرأ بلا تدبر، ونسمع بلا تأثر.

لكن الغفلة لا تدوم…
فلكل إنسان لحظة استيقاظ، قد تكون عند مصيبة، أو عند فقدان، أو عند مرض، أو… عند الموت.
عندها تتغير الرؤية، وتنكشف الحقيقة، وتُقال الكلمة التي تُرجّ القلب:

"لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" (ق: 22)

عندها يرى الإنسان كل ما كان غافلًا عنه.
يرى كم ضيّع من الوقت، وكم أعرض عن الآيات، وكم تجاهل النداءات.
لكن حينها، لا ينفع الندم، ولا تُقبل العودة.

فهل ننتظر حتى يصبح بصرنا "حديدًا"؟

هل ننتظر لحظة الموت لنرى الحقيقة التي أمامنا منذ الآن؟
دعونا نستيقظ قبل فوات الأوان.
دعونا ننظر بعين التأمل، لا بعين العادة.
دعونا نمرّ على آيات الله ونحن مُبصرون، لا غافلون.

"إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد" (ق: 37)

اللهم لا تجعلنا من الغافلين،
ولا تكشف الغطاء إلا وقد تبنا وأنبنا ووعينا،
اللهم اجعلنا نرى بقلوبنا قبل أن نرى بأبصارنا.

هناك تعليقان (2):

Pinned Post

🌱 سأنتفع بها أنا… ثم لِمَ لا أنفع بها غيري؟

🌱 سأنتفع بها أنا… ثم لِمَ لا أنفع بها غيري؟ في ضوء قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" ...