ما لا يُدرك كلّه، لا يُترك جُلّه: دعوة إلى العمل بما نقدر عليه
في حياة الإنسان، قلّ أن تتهيأ له الظروف المثالية لفعل الخير، أو تحقيق أهدافه، أو بلوغ الكمال. وكثيراً ما نصطدم بعراقيل تمنعنا من إدراك الأمور على وجهها الأكمل. وهنا تأتي هذه الحكمة الخالدة:
«ما لا يُدرك كلّه، لا يُترك جُلّه».
إنها دعوة واضحة إلى اغتنام الممكن وعدم ترك الخير بدعوى أننا لم نتمكن من تحصيله كاملاً. فالتخلّي عن العمل كله لأننا عاجزون عن كماله خطأ كبير، يحرمنا من البركة والثواب والنجاح.
في ميادين العبادة
من الناس من يظن أن العبادة لا معنى لها إن لم تُؤدَّ كاملة. فإذا فاتته صلاة في وقتها ترك باقي الصلوات، أو إذا لم يتمكن من صيام رمضان كله ترك الصيام جملةً. وهذا جهل بالحكمة الشرعية، فالله تعالى يحب من عبده ما يستطيع:
«فاتقوا الله ما استطعتم» [التغابن: 16]
فالجزء خير من العدم، وما تيسر خير مما فات.
في ميادين العلم
العلم بحر لا ساحل له، والإنسان محدود العمر والطاقة. من قال إنه لن يبدأ إلا إن استطاع إتقان كل شيء حُرم الخير الكثير. فمن حفظ بعض القرآن خير ممن لم يحفظ شيئاً. ومن تعلم مسألة أو باباً في الفقه خير ممن ترك التعلم بدعوى عجزه عن الإحاطة بكل شيء.
في ميادين الإصلاح والمجتمع
ربما لا نستطيع أن نحل مشاكل المجتمع كلها، ولا أن نصلح كل النفوس. لكن ترك الإصلاح كله لهذا السبب ظلم لنفسك وللناس. يكفي أن تزرع خيراً في محيطك، وتصلح بين اثنين، أو تنصح شاباً، أو ترعى يتيماً. فالخير لا يضيع، وإن قل.
في ميادين العمل والإنجاز
أحياناً يقف الطموح الزائد عائقاً أمام الإنجاز. البعض يؤجل البدء في مشروعه لأن الظروف ليست مثالية. والحقيقة أن الإنجاز الجزئي بداية، ويمكن تطويره وتحسينه لاحقاً. المهم أن لا تظل ساكناً في انتظار الكمال الذي قد لا يأتي أبداً.
خلاصة
هذه الحكمة تجعلنا إيجابيين، واقعيين، وعاملين بما نقدر عليه. فإذا لم نستطع أن نصنع الخير كله، فلنصنع منه ما استطعنا. وإذا لم نستطع أن نصلح العالم كله، فلنصلح ما حولنا. وإذا لم نستطع أن نكون كاملين، فلنكن على الأقل طامحين إلى الأفضل.
خير الناس أنفعهم للناس، ولو بالقليل.
فلنجعل هذه الحكمة نبراساً لحياتنا:
- لا تترك الخير كله بدعوى أنك لم تحصله كله.
- خذ ما تستطيع، وازرع ما تقدر عليه، فربّ قليل دائم خير من كثير منقطع.