لقد بلغنا زمان لا نجد فيه الراحلة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة.»
أيها الأحبة… كأننا والله قد بلغنا الزمان الذي حذّرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم، حين ضرب لنا هذا المثل البليغ: الناس كثير… لكنّ الراحلة الصالحة التي تصلح للركوب، التي تتحمل، التي تصبر على الطريق الطويل، التي تسير بثبات نحو الغاية… قليلة، قليلة جدًا.
كم أصبحنا اليوم نرى في شؤوننا العامة والخاصّة كثرة في الكلام، وقلة في الفعل، كثرة في الأسماء والصفوف، لكن قلّما نجد راحلةً يحملها الناس، تثبت وقت الشدة، ويُركن إليها عند الأزمات.
أمثلة على غياب "الراحلة" في واقعنا:
- في الأمور السياسية: ترى المئات يصرخون في وجه الظلم، لكن حين تأتي ساعة الحقيقة… ينسحب الكثيرون ويبحثون عن مصالحهم الشخصية.
- في الأمور الدعوية: نجد الكثيرين يتحدثون عن الدعوة… لكن أين الذي يصبر على أذى الناس؟ أين الذي يثبت رغم الفتن؟ أين الذي ينفق وقته وجهده وماله في سبيل إيصال الحق إلى الناس؟
- في الأمور الخيرية: ترى قوائم المتطوعين طويلة على الورق… لكن حين تحتاجهم في الميدان، لا تجد إلا القليل.
يا أحبابي…
أين الراحلة اليوم؟ أين من يحمل همّ أمته كأنها حملٌ على ظهره؟ أين من لا يرهقه الطريق الطويل؟ أين من لا يتأفف من ثقل الأمانة؟
لقد بلغنا زمانًا كثرت فيه الإبل، لكن الراحلة نادرة… فلنكن نحن تلك الراحلة… لنُرِ الله من أنفسنا صبرًا واحتمالًا وثباتًا… ولنكن على قدر المسؤولية في كل ميدان: سياسي، دعوي، خيري، إنساني.
اللهم اجعلنا من "الراحلين" الصابرين، الذين يُنتفع بهم عند الحاجة، والذين لا يخذلون أمتهم ولا يتخلون عن أمانتهم.